وصفتها بعض التقارير التي وضعها الفرنسيون قبيل الحماية بـ«جنة الله في أرضه». وقال عنها أكثر من مقيم عام، إنها سويسرا المغرب. لكنها اليوم مدينة خارج التنمية، مهمشة تبكي تاريخها المجيد.
تازة اليوم، لا تزال أحداث حي الكوشة تقض مضجعها. لذلك كلما همت برفع رأسها عاليا بحثا عن تنمية حقيقية إلا واصطدمت بحواجز هي نفس الحواجز التي تسببت في 2012 في تلك الأحداث التي هزت المدينة، حيث أغلقت معاملها، ونجح أثرياء العقار في تحويل جل فضاءاتها الخضراء إلى إسمنت مسلح. لذلك تكتفي ساكنتها بفلاحة بسيطة، وتجارة لا تفي بوعدها. أما السياحة التي كان يمكن أن تجعل منها قبلة حقيقية، فلا تزال حلما يراود قبائل غياتة والبرانس والتسول وبني وارين.
ثمة تازتان. إحداهما عليا والثانية سفلى. وللصعود لا بد من المرور عبر أدراج يقال إن عددها يقارب المائة درج.
بداخل الأسوار هناك في تازة العليا، يكتشف الزائر مدينة تشبه فاس أو مراكش أو آزمور أو سلا. أزقة ضيقة، وحوانيت مصطفة لبيع الفواكه الجافة أو الملابس التقليدية. هنا توجد ساحة المشور، حيث قصر بوحمارة، الذي سكن تازة وجعلها من المدن المغضوب عليها، كما يقول أهل تازة، الذين لا يخفون حنقهم مما حدث ويحدث لمدينة ضاربة في القدم.
وهنا يوجد ضريح سيدي عزوز، «مول تازة ودراع اللوز»، كما يقول المنشدون الصوفيون وهم يتغنون بمعالم المدينة. وهنا المسجد الأعظم، حيث توجد أشهر وأكبر ثريا زينت المسجد. الثريا التي قيل إن مسلمي تازة صنعوها من نحاس أحد نواقيس الكنيسة المسيحية قبل أن يتم إهداؤها لهذا المسجد على عهد السلطان المريني المولى يوسف.
الثريا التي يصل وزنها إلى 32 قنطارا وقد صنعت من النحاس الخالص، وقد كتب عليها بخط كوفي جميل:
يا ناظرا في جمالي حقق النظر
ومتع الطرف في حسني الذي بهرا
أنا الثريا التي بها تازا افتخرت
على البلاد فما مثلي الزمان يرا.
في تازة يوجد أكثر من باب. ثمة باب الريح وباب كناوة، ولكل منها حكايته الخاصة التي تطرح السؤال: لماذا حدث هذا التهمش لمدينة ضاربة في القدم.
لا تتوقف حكايات أهل تازة في أحاديثها عن الظلم الذي جاء من بعض «التوازة» الذين كان لهم حضور وازن في الجيش المغربي، والذين ساهم بعضهم في بعض الأحداث السياسية التي هزت مغرب الحسن الثاني. لذلك كان لا بد لهذه المدينة الوديعة أن تؤدي ضريبة خطأ أو جرم لم ترتكبه. والحصيلة هي أن تازة تنتظر متى يرفع عنها ظلم السنوات التي مرت.
كما يحكون عن أيام حي الكوشة. ويأسفون كيف أن السلطات والمجالس المنتخبة لم تنجح في نزع فتيل الغضب. وكل ما أقدمت عليه هو سلسلة الاعتقالات التي أسفرت عن أحكام سجنية في حق شباب تازة ومعطليها. لكنهم لا يفوتون الفرصة لكي يتحدثوا على أن أسباب ما حدث في 2012، لا تزال واردة.
أسباب لخصتها بعض التقارير في الإغلاق اللاقانوني لمجموعة من المؤسسات الإنتاجية على قلتها كرانطيكس، وشركة سلكس، وشركة الفردوس، المتخصصة في قطاع النسيج. إضافة إلى عدم احترام المؤسسات الإنتاجية لمقتضيات مدونة الشغل. وهي الممارسات التي كانت موضوع عدة احتجاجات من طرف عمال وعاملات الحي الصناعي الوحيد بالمدينة والتي قوبلت بالتجاهل من طرف السلطات المحلية المفترض فيها التدخل من أجل فرض احترام قانون الشغل، وحماية حقوق العمال والعاملات.
وتمثلت أيضا في الاحتجاجات المتكررة لساكنة منطقة «أكنول» على خلفية تردي الخدمات الصحية بسبب تحويل المستشفى المحلي إلى مجرد مركز صحي. وفي الوضعية المتردية بالكلية متعددة التخصصات، والاحتقان الذي عاشته بسبب غياب الحد الأدنى للاشتغال والتحصيل العلمي.
لتازة العليا أكثر من باب، ولها أكثر من معلمة تستحق أن تكون قبلة للسياح. فمن باب الريح، إلى ضريح سيدي عزوز، والمسجد الأعظم حيث الثريا ذات الصيت العالمي، إلى درب كناوة، الذي يقول أهل تازة إن ظاهرة كناوة انطلقت من هنا، وليس من مدن الجنوب والصويرة تحديدا. أما للتأكيد على هذا الأمر، فيستشهدون بما يفتتح به كناوة ليلتهم وهم يرددون «من تازة وأنا نسال على دار سيادي..كالو لي في وزان مولاي التهامي».
معالم تازة هي أيضا المشور حيث كان قصر «السلطان» الجيلالي الروكي الزرهوني، الملقب ببوحمارة، الذي قدم نفسه لقبائل غياتة على أنه المولى امحمد، ليصبح أميرا على مملكة على محور تازة سلوان.
هنا بين قبائل غياتة وبني وارين، اختار السلطان الزرهوني أن يؤسس لمملكته. فحينما فر من مدينة مراكش بعد أن قال إنه ابن السلطان المولى الحسن، وإن أخاه المولى عبد العزيز لا يستحق الحكم لصغر سنه، وإن الحاجب ابا احماد اختاره لكي يجعل منه مجرد سلطان بدون سلطة، لم يجد من مقر يؤويه غير تازة. ولم يكن اختيار بوحمارة لهذا المكان صدفة. فالرجل، الذي حكم المنطقة سبع سنوات، كان يعرف أن منطقة تازة هي الحد الفاصل بين شرق المغرب وغربه. وكان يدرك أن المسيحيين، الذين كانوا يستعدون وقتها لبسط نفوذهم على مغرب ما بعد حكم المولى عبد العزيز، لن يجدوا غير طريق تازة لكي ينفذوا إلى حيث يريدون.
هنا بتازة العليا بنى بوحمارة قصره الفسيح، ووزع على سكان المدينة بتجارها وحرفييها السلاح. ولم يكن غريبا أن يتأبط تاجر أو حرفي سلاحه وهو يمارس مهنته أمام زبنائه. حتى إذا جاءه خبر عدو قادم، لا يتأخر في الخروج للدفاع عن حرمة تازة، خصوصا وأن بوحمارة نجح في استمالة قبائل المنطقة بالاعتماد على فكر الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن شرف أهل تازة.
اليوم يحكي أهل المدينة عن هذا التاريخ بفخر كبير، لكنهم يتساءلون هل سبب كل هذا التهميش الذي يطال تازة لأن بوحمارة سكنها، أم لأن بعض رجال المدينة لم يوظفوا مواقعهم من على أعلى هرم المسؤولية لنفض الغبار عنها؟