done

الجمعة، 31 يوليو 2015

إدريس الكراوي : اعداء المغرب يطورون جيلا جديدا من الحروب ضد الوحدة الترابية للمملكة

الكراوي



اعتبر بعض المحللين أن الخطاب الملكي في نونبر الماضي بمناسبة الذكرى 39 للمسيرة الخضراء يحمل جرأة نادرة، وبالعودة إلى ما جاء في هذا الخطاب ما هي قراءتكم لمضامينه؟
هذا الخطاب يحمل بالفعل جرأة حقيقية إن تعلق الأمر بنوعية مضمون هذا الخطاب الهام أو بالمقاربة التي اعتمدها في معالجة القضية الوطنية، أو الالتزامات التي نص عليها، أو خريطة الطريق التي حددها، أو الأوراش المؤسسية التي رسمها، أو طبيعة الحكامة التي يدعو إليها. ومرد هذا في اعتقادي إلى عدة معطيات.
في نظري يشكل هذا الخطاب نقلة نوعية في مسار الخطب الملكية في التعامل، وفي معالجة قضية الصحراء المغربية. فالمغرب قام منذ سنة 1975 باختيار الأساليب الدبلوماسية بمعناها الراقي، والنبيل والعميق والصحيح. لكن الأطراف الأخرى التي تناهض حقوق المغرب على صحرائه لا تسعى إلى حل المشكلة بالطرق الدبلوماسية نفسها. فالمغرب قَبِل مبدأ الاستفتاء وإحصاء السكان الذين عليهم أن يشاركوا فيه، انخرط بحسن نية في هذا المسلسل. لكن هذا المسلسل وصل إلى الطريق المسدود بسبب تعنت الأطراف الأخرى.
ونظرا إلى انسداد هذا الأفق اقترح المغرب الحكم الذاتي لحل المشكل، وعاد الطرف الآخر إلى لازمة تقرير المصير الذي أوصلنا إلى الطريق المسدود السابق نفسه. لدى كان لزاما المرور إلى مرحلة جديدة ومقاربة أخرى لمعالجة القضية الوطنية
.بناء على هذا المعطى كيف تفهمون منطوق هذا الخطاب؟
أفهم ثلاث رسائل أساسية: أولا، علينا نحن المغاربة أن نعي وأن نعلم أن المغرب تُمارس عليه حرب منظمة منذ حوالي أربعين سنة، هدفها إضعافه وإفشال مجهوداته التنموية وإلهائه عن جوهر مشاكله. إذ مورست عليه وتمارس عليه حتى الآن كل أشكال الحصار التي مازالت قائمة. فالمغرب محاصر في جنوبه وفي حدوده الشرقية، ومع ذلك فهو يرد عليها ويقاوم بطرق سلمية. ويظل متشبثا بالشرعية الدولية وبمبدأ حسن الجوار.
ثانيا، الخطاب الملكي الأخير تميز بفضيلة الوضوح في ثلاثة أمور جوهرية: ما هو دور الجزائر؟ وما هي طبيعة العلاقات الشرعية والمؤسسية التي تربط المغرب بمنظومة الأمم المتحدة؟ وما هو الموقف الأمريكي من قضية الصحراء المغربية؟
ثالثا، الخطاب الملكي، كما هو الشأن في خطب ملكية أخرى سابقة يدعو المغاربة إلى اليقظة على جميع الجهات والجبهات الداخلية والإقليمية والدولية. فلا يكفي أن يكون هناك إجماع وطني، وقناعة جماعية داخلية بعدالة قضيتنا، بل علينا أن نتسلح بالتجند الدائم والقوي والمبدع لتصريف قضيتنا الوطنية وإقناع الآخرين بعدالتها.
 طيب، ما هو الجديد الذي أتى به النموذج المقترح للتنمية بالأقاليم الجنوبية؟
هذا النموذج مبني أولا على مقاربة حقوقية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وتلك المتعلقة بالحكامة. كما أنه يعتمد على مقاربة تشاركية تستمد مقوماتها من الاستماع الواسع لكل الفعاليات والقوى الحية المكونة للجهات الثلاث للأقاليم الجنوبية، ضمانا لانخراطها وتملكها لهذا النموذج.
كما يركز هذا النموذج أيضا، على منهجية جديدة للإصلاح، قوامها 5 مبادئ موجهة ومرتكزات: الإصلاح بعمق عبر سن قطائع جوهرية وجريئة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، كما على صعيد الحكامة؛ الإصلاح بالتدرج؛ الإصلاح من خلال مشاركة الفاعلين المباشرين في العملية التنموية؛ الإصلاح انطلاقا من تطلعات وحاجيات، وانتظارات الساكنة؛ ثم الإصلاح انطلاقا من الخصوصيات الترابية للجهات الثلاث المكونة للأقاليم الجنوبية.
كما أنه نموذج يرتكز، كما ذكرت، على مجموعة من القطائع على صعيد المكونات الرئيسية لتنمية هذه الأقاليم، هدفها القطع مع اقتصاد الريع، وإصلاح السياسة المعتمدة في مجال الإعانات الاجتماعية، ورد الاعتبار للثقافة والبيئة ومراجعة نظم الحكامة.
 قضية الصحراء تتطور اليوم داخل واقع إقليمي ودولي جديد، كيف تقيمون هذا الوضع وماذا يستدعي على الصعيد الوطني؟
إن موازين القوى قد تغيرت دوليا وإقليميا، كما بدأنا نشهد تحولات نوعية طرأت على مواقف المساندين التقليديين للأطروحة الانفصالية وعلى رأسهم الدول الاسكندنافية، لكن المناوئين وأعداء القضية الوطنية بدؤوا كذلك، يطورون جيلا جديدا من الحصار والحروب ضد المغرب وضد صحرائه وضد مشروعه السياسي والتنموي.
فالمغرب أصبح قوة جهوية حقيقية. فعسكريا يتوفر المغرب اليوم، على منظومة هجومية ودفاعية متطورة ومتنوعة، وعلى جيش ذي احترافية عالية. كما يتوفر على منظومة أمنية ناجعة، وعلى منظومة استعلاماتية واستخباراتية متميزة مشهود لها عالميا، وعلى منظومة حقوقية في تطور مستمر ونموذج تنموي بدأ يفرز شروط ولوج مرتبة الاقتصاد الصاعد، وحكامة ذكية للحقل الديني مبنية على الاعتدال والانفتاح، وحقوق من الجيل الجديد تدعم التعددية الثقافية واللغوية، وتقوي أسس الديمقراطية التشاركية، وكذا على اجماع وطني حول الثوابت المؤسساتية، وعلى رأسها القضية الوطنية.
 ما الذي تمثله إذن هذه السنة في مسار هذا الملف؟
في اعتقادي، قطار حل القضية الوطنية في إطار الجهوية الموسعة والنموذج الجديد للتنمية بالأقاليم الجنوبية قد انطلق، والعد العكسي بالنسبة إلى المغرب قد بدأ، وسنة 2015 ستكون مما لا شك فيه سنة مفصلية في إعمال هذين الورشين. والخلاصة من هذا كله هو أنه على جميع الأطراف المعنية بملف الصحراء أن تتحمل كامل مسؤولياتها، وعلى المغاربة أن يتعبؤوا، ويتجندوا، ويتسلحوا باليقظة الدائمة لربح الرهانات المرتبطة بهذا الوضع الجديد، وكذا لرفع التحديات التي تنتظر بلادنا في المستقبل ليس البعيد والمتوسط، بل القريب، بدءا بالاستحقاقات المقبلة.
 هل يمكن أن نعتبر الشروع في تنزيل الجهوية المتقدمة خطوة في طريق تفعيل النموذج التنموي الجديد في الصحراء؟
أعتقد أن دعوة جلالة الملك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لوضع نموذج جديد للتنمية بالأقاليم الجنوبية هدفه بالضبط، هو إعطاء مضمون ملموس للجهوية المتقدمة. وهذا ما نلاحظه من خلال قراءة متأنية لما أتى به هذا النموذج من اقتراحات عملية، سواء تعلق الأمر بالجانب الاقتصادي عبر الآليات المقترحة لخلق ديناميكية جديدة للتنمية والتشغيل على أساس الأقطاب التنافسية الثلاثة التي أوصى المجلس بإحداثها، أو في المجال الاجتماعي من خلال البرامج المقترحة الرامية إلى تشجيع تنمية إدماجية وإلى تثمين البعد الثقافي، أو في مجال البيئة وإعداد التراب بهدف حماية الأنظمة البيئية الهشة، أو المحافظة على الموارد المائية، أو تطوير الطاقات المتجددة، أو فك العزلة والإعداد الرقمي للمجال الترابي، أو على صعيد الإطارات المؤسسية والآليات الإدارية المقترحة والرامية إلى تطوير الحكامة الديمقراطية والمسؤولة كإنشاء منتديات للتشاور والحوار المدني والاجتماعي على صعيد كل الجهات الثلاث المكونة للأقاليم الجنوبية على شكيلة مجالس اقتصادية واجتماعية وبيئية جهوية، أو آليات الضبط والمراقبة والتقييم والتتبع والمحاسبة المرتبطة بحكامة كافة البرامج التنموية المقترحة. وبناءً عليه، يصح بالفعل القول إن النموذج الجديد للتنمية بالأقاليم الجنوبية يدخل في صلب التنزيل المستقبلي للجهوية المتقدمة.
* الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق