يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة.
تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة.
ما إن حل عام 1985 حتى أصبح الرئيس الليبي معمر القذافي عدو المصالح الغربية الأول في ليبيا، في نظر أغلب الدول الأوربية، وكان الرئيس ريغان هو الوحيد بين الجميع الذي سمح للطائرات الحربية الأمريكية بمهاجمته، أما الإسرائيليون فقد اعتبروه مسؤولا عن تسهيل إمدادات الأسلحة للفلسطينيين.
ولليبيا ميناءان رئيسيان، واحد في طرابلس العاصمة والثاني في بنغازي على خليج سدرة شمال غرب البلاد، وكانت البحرية الإسرائيلية تراقب النشاطات الليبية، ويتم أغلبها من خلال دوريات منتظمة على طول الساحل الليبي على البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر إسرائيل مضيق جبل طارق بأنه الرئة التي تتنفس منها، فهو منفذها للاستيراد والتصدير إلى أمريكا وأغلب أقطار أوربا.
وفي عام 1985 كانت لإسرائيل علاقات هادئة نسبيا مع الدول الواقعة على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط مصر والمغرب وتونس والجزائر، لكن ليس ليبيا.
ولدى الليبيين سلاح بحري فعال، إلا أنه كان يعاني من نقص القدرات البشرية الكافية لكل القطع البحرية التي اشترتها، وربما بسبب هذا النقص، إضافة إلى اعتبارات دولية أخرى، كانوا يتجنبون الاشتباك مع الزوارق الإسرائيلية التي صادف أن تواجهوا معها في مناسبتين على الأقل.
ولدى الإسرائيليين محطة استماع فرعية في صقلية يشاركهم فيها الإيطاليون، الذين يملكون محطة استماع خاصة بهم، إلا أنها لم تكن كافية لأن الليبيين بمساندتهم لمنظمة التحرير الفلسطينية والنشاطات الفدائية الأخرى كانت تهدد السواحل الإسرائيلية، وكان لدى الموساد بعض المراقبين البحريين، وهم في أغلب الأحيان مدنيين يتم تجنيدهم في محطات الموساد الأوربية كي يقوموا بالتقاط الصور أثناء عبور سفنهم الموانئ الليبية، ولم يكن هناك خطر حقيقي من هذه العمليات، لكن كانت تعطي إيضاحات منظورة عما يجري داخل الميناء، لكن ما أن يصادفوا شحنة أسلحة بطريق الصدفة ليس إلا تصبح الحاجة واضحة للحصول على معلومات مفصلة عن حركة الدخول من وإلى ميناءي طرابلس وبنغازي.
وفي لقاء ضم دائرة أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية التابعة للموساد ومدير فرع تسومات المختص بفرنسا والمملكة المتحدة وبلجيكا اتخذ قرار بمحاولة تجنيد أحد مراقبي الحركة في الميناء أو أي شخص آخر يعمل في مكتب رئيس المرفأ في طرابلس ويمكن من الوصول إلى معلومات أكثر تحديدا عن أماكن وأسماء السفن الخاصة بمنظمة التحرير. ورغم أن الموساد يعرف أسماء السفن فإنه لا يعرف الأماكن التي قد توجد فيها في تاريخ معين.
أما الحصول على معلومات من داخل ليبيا فقد كان الحديث عنه أسهل بكثير من تنفيذه، فإرسال شخص ما إلي ليبيا لمحاولة تجنيد البعض أمر في غاية الخطورة، وكان الموساد في ذلك الحين قد وصل مرحلة ضرب رأسه بجدار من طوب لشدة غيظه وانعدام حيلته في هذا المجال، وفي النهاية اقترح أحد الموجودين في الاجتماع، وهو شخص كان قد عمل مراسلا صحفيا في تونس والجزائر لصحيفة «أفريك-أسيا»، التي تصدر باللغة الفرنسية وتغطي الأحداث العربية، أن أفضل طريقة للبدء هو الاتصال هاتفيا بميناء طرابلس لمعرفة من يستطيع تقديم المعلومات المطلوبة، وبذلك يستطيعون على الأقل حصر الهدف في نطاق أضيق. لذلك تم حجز خط تليفوني يمكن الاتصال بواسطته من تل أبيب، بحيث يبدو كأنه يعمل من خلال مكتب دائرة باريس في حالة قيام أي شخص بتتبع المكالمة وربط بشركة تأمين فرنسية يمتلكهما سايان.
قبل أن يجري الكاتسا أي اتصال مع ميناء طرابلس أعد تغطية كاملة له على أساس محقق تأمين، وكان لديه مكتب مع سكرتيرة تكون ما يطلق عليها اسم «بات ليفييا»، ومعناها مرافقة تكون امرأة محلية ليس من الضروري أن تكون يهودية تجند كعميل مساعد وتعطى عملا خاصا بالنساء، وقد تكون على علم بأنها تعمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية من خلال سفارة البلاد الذي تعمل فيها.
وترتكز فكرة العمل على الفعل ورد الفعل، وقد عرفوا الفعل، لكن عليهم أن يستبقوا تصور رد الفعل، ولكل رد فعل محتمل. هناك خطة لفعل جديد
كان في الغرفة مع الكاتسا شخصان يضعان سماعات على آذانهما، مناحم دوزف رئيس شعبة منظمة التحرير التابعة للموساد وجدعون نفتالي رئيس المحللين النفسيين في الموساد، ومهمته الاستماع ومحاولة عمل تحليل فوري للشخص الذي سيجيب على الهاتف.
لم يكن الشخص الذي أجاب على الهاتف في المرة الأولى يفهم الفرنسية، لذلك مرر المكالمة إلى شخص آخر. أما الشخص الثاني الذي تكلم على الخط فأعطى اسم الرجل المسؤول، وقال إنه سيعود خلال نصف ساعة ثم أغلق الخط.
وعندما أعاد الكاتسا المكالمة سأل عن مدير الميناء بالاسم، وحين حول الخط له قدم له نفسه على أنه محقق تأمين مع شركة ضمان فرنسية. كانت تلك طلقتهم الوحيدة، ويجب أن تصيب الهدف، ويجب ألا تبدو القصة قابلة للتصديق فحسب، بل أن يبدو راوي القصة مصدقا لها أيضا، لذلك أخبر الكاتسا مستمعه بنوع العمل الذي يقوم به، وأنهم بحاجة للحصول على تفاصيل مختلفة عن بعض السفن في الميناء ويريدون أن يعرفوا من هو المسؤول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق